جاءت مقاربة رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية بشأن التنقيب عن الغاز سياسية أكثر مما هي علمية. هو بنى موقفه على نتائج التنقيب في بلوك رقم ٤ للجزم بأن لبنان ليس بلداً نفطياً. لا يستقيم هذا الإستنتاج مع العلم والدارسات والواقع والمرتجى. ولا يجوز تعميم ما حصل في بلوك رقم ٤ على كل بلوكات المياه الإقليمية اللبنانية. ولكن إعادة الملف الى دائرة الضوء يفرض نبش التعاطي اللبناني الذي حكم هذا الملف منذ سنوات، وكانت فيه الحسابات السياسية، ولا تزال تطغى على المعطيات العلمية والتحديات الإقتصادية الداخلية والسياسية الخارجية.
يقول مصدر مطّلع ان العودة الى الوقائع التاريخية في لبنان هي ضرورية لإعادة التصويب في ملف الغاز والنفط. يستعيد المصدر نفسه محطّات "المعركة الطويلة التي جرت والتي انتجت الاتفاق على تلزيم البلوكين ٤ و٩ لتحالف الشركات الثلاث (فرنسية-ايطالية-روسية) على أن يبدأ الحفر حصراً بالبلوك رقم ٤ بعكس رغبة الشركات الثلاث في الحفر في البلوك ٩ نظراً للاحتمال الكبير لايجاد الغاز فيه". كان يُعزز هذا الإحتمال الكبير طريقة تعاطي الإسرائيليين مع حقول الغاز الحدودية مع لبنان والتي تدل على ان هناك ثروة كبيرة موجودة في بطن البحر يسعون الى استخراجها قبل لبنان. بعد انتظار سنوات بدأ الحفر اللبناني بالبلوك رقم ٤، ليتبين ان شركة توتال الفرنسية لم تصل لنتائج مشجعة، وعبّرت عن عدم رغبتها بمعاودة الحفر فيه. وبحسب الخطوات المتبعة في عمل شركات النفط، سيبدأ الحفر بعد سنة ونصف من الآن في البلوك ٩.
هنا يسأل المصدر: لماذا كانت حصلت المعاندة السياسية في لبنان التي فرضت التنقيب في بلوك رقم ٤ بدلاً من رقم ٩؟
يقول المصدر ذاته ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان طلب بدء التنقيب من بلوكين ٩ و١٠ لعدة أسباب يعدّدها:
أولاً، الصراع مع اسرائيل على النفط والغاز واشتراك حقول النفط اللبنانية الحدودية مع الحقول المسيطر عليها من قبل اسرائيل.
ثانياً، أهمية البلوك ٩ و١٠ من حيث المخزون النفطي واحتمال تشاركهم مع الحقول الكبيرة في المتوسط.
ثالثاً، النسبة العالية للعثور على غاز بلوكي ٩ و١٠ عند بد الإستكشاف تصل الى ٩٠٪ . لكن الاصرار السياسي أفضى الى البدء بحفر البلوك رقم ٤ المحاذي لكسروان-جبيل بغية استثمار موضوع النفط لأهداف سياسية داخلية، رغم أن نسبة العثور على النفط فيه كانت هي حوالي ٢٠٪ وهي نسبة غير مشجعة تجارياً.
كل ذلك يستلزم الآن عدم الإستسلام السياسي لما تحدث عنه فرنجية، والذي احبط عملياً اللبنانيين الذين كانوا يعوّلون على مستقبل افضل بعد عوز إقتصادي يتزايد يوما بعد يوم. واذا كان الخطأ من الأساس حصل من خلال وضع كادر سياسي للتعاطي مع الملف والإصرار على البدء ببلوك رقم ٤، لكن ابقاء الملف في مساحة النكد السياسي حالياً يعمّق من حجم الأزمات اللبنانية.
صحيح ان التعاطي السياسي اللبناني لم يأخذ المتغيرات الإقتصادية والمعيشية الصعبة بعين الإعتبار حتى الآن، وكأن البلد بخير ولا يواجه مشاكل مؤلمة للشعب، لكن مواصلة النكد السياسي يزيد من الصعوبات الاقتصادية التي قد تساهم في تسريع الانفجار الإجتماعي بدل السعي الى احتوائه بأسلوب استباقي.